الافتتاحية

العدوانية الأميركية تتهددنا، فلنمارس المواجهة

 

العرب والعولمة

 

 

كان شهر آب غنياً بالمواقف الأميركية المتنوعة التي تعبر عن جوهر نوايا الإدارة الأميركية تجاه لبنان وسورية وشعبهما. فمن جولة وفد الكونغرس الأميركي إلى المنطقة، وما طرحه في لقاءاته اللبنانية الرسمية وغير الرسمية، إلى كلام وليد المعلوف، مدير شؤون ”مبادرة الشرق الأوسط“ في الخارجية الأميركية، إلى جولة النائب الأميركي الديمقراطي توم لانتوس، ناهيك عن مواقف السفير الأميركي (سواء الذي الذي غادرنا عاشقاً أو الذي أتانا ربما مشتاقاً)، فضلاً عن تصريحات شتى مواقع البيت الأبيض...

 

كل هذه الحركة الأميركية تكشف ما لم يعد سراً منذ فترة طويلة. لقد وضعت الإدارة الأميركية مخطط استراتيجيتها للوطن العربي ومحيطه (الشرق الأوسط الكبير)، هذه الاستراتيجية القائمة على: إعادة رسم الجغرافيا السياسية للوطن العربي على الطريقة التي نشهدها في أفغانستان والعراق، وإعادة رسم وظائف الكيانات التي قد تبقى على ما هي عليه أو التي سيولدها مخاض تطبيق هذه الاستراتيجة، وتوفير كل الأجواء المطلوبة ليتمكن الكيان الصهيوني من الرسوخ والبقاء ومن الهيمنة على مجمل محيطه. في سياق هذه الاستراتيجة مطلوب من لبنان وسورية الشروع بتلبية المطالب الأميركية الآتية: تصفية المقاومة اللبنانية (حزب الله) وسحب سلاحه، كي يعود الجنوب اللبناني منطقة حماية لحدود إسرائيل الشمالية؛ فك الارتباط بين لبنان وسورية بالعودة إلى الفصل الكامل بين السياسة اللبنانية والسياسة السورية، وتحويل لبنان إلى نقطة ضعف في الموقف السوري، واداة ضغط عليه؛ توطين الفلسطينيين، كجزء من حل الصراع العربي الصهيوني؛ تسهيل الهيمنة الأميركية على العراق وعزل المقاومة العراقية؛ تسريع انخراط لبنان وسورية في سياسات نيوليبرالية...

 

ما نقوله بكل اختصار وعجل يعرفه ويردده الجميع. ولكن الكثير من الأنظمة العربية، وقلة من اللبنانيين، لا يرونه سياسة عدوانية، بل يحاولون عبثاً تغطيته بعباءة عربية قصد تبرئته. بينما تنظر إليه وتتعامل معه، على حقيقته العدوانية، الشعوب العربية ومقاوماتها (في فلسطين ولبنان والعراق) وحركات التمرد والاعتراض المسلح والعنيف (من الخليج إلى المغرب). وبالطبع يقف النظامان اللبناني والسوري في موقف الممانعة الجدية ويشكلان خلفية وعمقاً علنيين للمقاومة الفلسطينية واللبنانية (وتلعب معهما إيران دوراً مماثلاً).

 

وإذا كانت المقاومة اللبنانية تنحو منحى ”الدفاع الاستراتيجي بوظائف هجومية“، بينما تنفرد المقاومة العراقية والفلسطينية بوظيفة الهجوم الاستراتيجي، بمعنى الهجمات اليومية الهادفة، فإن استفراد هاتين المقاومتين ومحاولات تطويقهما من قبل الإدارة الأميركية والصهيونية والأنظمة الرجعية العربية، لمما يريح العدوان وينهك المقاومتين، وربما يقرب المسافة الزمنية بين التهديدات الأميركية بحق لبنان وسورية ومواعيد تنفيذها. وليس من العبث أن شرعت الإدارة الأميركية بتطبيق ”قانون محاسبة سورية“، بصرف النظر عن مدى وخطورة مفاعيله. كما ليس من العبث، ولا لمجرد الحملات الانتخابية الأميركية واسترضاء أصوات اليهود، تعالت الأصوات الأميركية في آب.

 

هذه نذر بأن السياسة العدوانية الأميركية الصهيونية تعاني في فلسطين والعراق ولبنان. ومعاناتها هذه يجب أن تدفع بالأنظمة التي تشكل عمق المقاومات العربية إلى المزيد من التصعيد. وهنا تكون مسؤولية لبنان وسورية كبيرة. فبقدر ما تتاح فرصة الحركة للمقاومة اللبنانية لتوسع حضورها وتمثيلها اللبناني الشامل وتصعد نضالها، وبقدر ما تفتح الحدود لمبادرات الجماهير العربية الراغبة بالمقاومة في فلسطين والعراق، بقدر ما تزداد معاناة العدوانية الأميركية الصهيونية، بينما تزداد مناعة النظامين اللبناني والسوري.

 

وإذا كانت معاناة العدوانية الأميركية قد تدفعها إلى توسيع عدوانها، فهذا لا يعني أن عدم معاناتها يقلل من شهيتها في ممارسة العدوان وتطلب المزيد، ولو بعد حين قد تكون هي فيه في وضع أفضل. وفي الحالتين يتهددنا خطر العدوان. وبالتالي لا مناص من المواجهة. فلنمارسها لنزيد معاناة هذه العدوانية، لأنها بذلك فقط قد ترتدع.

 

وممارسة المواجهة تستلزم الثقة بالجماهير، وإطلاق مبادراتها، وتخفيف أعباء الفساد والمفسدين عنها، وتوفير فرص التعبئة السياسية والعسكرية والتدريبية. وجماهيرنا معطاءة، ككل جماهير الشعوب، وهي كفيلة بالدفاع عن الأنظمة التي تستند إليها وتحترم قضاياها. المئات من اللبنانيين والسوريين وغيرهم هبت متطوعة للدفاع عن العراق، ولا تزال على استعداد للدفاع عن أوطانها.

 

العرب والعولمة