زيارة نجاد إلى دمشق

حلف المقاومة في مواجهة حلف العدوان والامبريالية

المنطقة في اللحظة الحرجة، يوم القيامة أم تسوية إقليمية شاملة

ميخائيل عوض

بيروت 6-2- 2006

 

شكلت زيارة الرئيس الإيراني نجاد لسورية، بتوقيتها، وما تم فيها، وما أعلن على لسانه، أو في البيان المشترك السوري الإيراني، وفي اللقاءات التي أجراها الوفد المعزز مع القوى المقاومة في فلسطين ولبنان، منعطفا حادا في سياق التحولات الجارية، وفي موازين القوى، وفي إطلاق مشروع مقاومة عربية إسلامية ذي طابع قاري، ما فوق قومي، وما فوق قطري إقليمي.

في النتائج الفورية للزيارة، وما أعلن عن إقامة جبهة مقاومة عربية إسلامية تستند إلى ثبات وقدرات سورية وإيران، وتمتد جبهتها المفتوحة من الرباط إلى موسكو، لتغطي العالم الإسلامي والرأي العام العالمي، تتحالف أو تستفيد موضوعيا من التطورات العالمية العاصفة من أمريكا اللاتينية والجنوبية ونهوض حركة تحرير وطني وتحرر اجتماعي، وصعود جبهة الرأي العام العالمية وفي أمريكا الرافضة للعدوانية والحروب، والداعية إلى محاسبة الإدارات الأمريكية والأوروبية ذات النزعة الإمبراطورية الاستعمارية، وتصاعد التعارضات الدولية بين الحلف الامبريالي الأميركي الأوروبي من جهة، والقوى الكبرى الصاعدة العسكرية والاقتصادية في آسيا، من روسا إلى الهند والصين، واليابان، والبرازيل، وما تشهده منطقة شرق آسيا من قيام تحالف اقتصادي عملاق" منظمة شنغهاي" يشكل تهديدا خطيرا للسيطرة الاقتصادية الأمريكية الأوروبية على الاقتصاد العالمي والتحكم بمساراته. وفي سياق أزمة اقتصادية مفتوحة في الولايات المتحدة وأوروبا، تستنهض قطاعات وكتل شعبية واقتصادية ونخبوية تعزز تقدمها ووزنها في رفض السياسات الامبريالية، لتلك الإدارات، ورفض تفاهماتها ونزعاتها العدوانية الاحتلالية والاستعمارية، وتشكل عقبة أمام النزوع العسكريتاري للإدارة الأمريكية وحليفاتها.

 

نتائج الزيارة

 

أولى النتائج الفورية والنوعية في هذا السياق تتبدى في الانتصار الساحق للمقاومة في فلسطين عبر صناديق الاقتراع وما فرضه من تغيير في موازين القوى داخل الصف الفلسطيني، وانعكاساته على الكيان الصهيوني وحراكه السياسي ومشاريعه المستقبلية، وعلى مستقبل الصراع العربي الصهيوني برمته، وما سيتركه ذلك من انعكاسات خطيرة على الإدارة المصرية والأردنية، وصولا إلى السعودية، فالنظام الرسمي العربي الذي تميز في السنوات الأخيرة بحالة ارتخاء وتكيف مع المشروع الأمريكي، وتضييق على المقاومات العربية وفي وجه سورية، وإيران.

 

ثانية النتائج الفورية التي انعكست عنها القمة السورية الإيرانية، يكمن في تراجع قدرة المشروع الأمريكي الفرنسي في لبنان وإطلاق ديناميات جديدة في التوازن السياسي القلق وتعليق قدرة ما يسمى بفريق الأكثرية في إدارة البلاد والحياة السياسية. وتبدت الأزمات في انهيار منظومة التحالفات السياسية التي كانت، وتراجع نفوذ التيار الحريري، واضطراره لتقديم تنازلات بخصوص تعريف المقاومة والموقف من القرار 1559، وعجز الأكثرية عن المس بالسلاح الفلسطيني وتاليا السلاح المقاوم اللبناني. وبرزت قدرة المقاومة على امتلاك الزمام في الجنوب وفي الصراع مع الكيان الصهيوني والرد المتقن والنوعي على الاعتداءات الإسرائيلية. ومن ذلك دخول فريق الأكثرية في أزمة عاصفة على اثر انهيار شعبية التيار الحريري وما شهدته الأشرفية من أحداث في تظاهرة حرق القنصلية الدانمركية، الأمور التي سرعت التفاهم والتحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر في عمل من شأنه أن يطلق ديناميات تغيير سياسي نوعي في لبنان يستند إلى التحالف السوري الإيراني والتفاهمات مع المقاومة اللبنانية والفلسطينية.

 

ثالثة النتائج، استعجال كل من مصر والسعودية مصالحة سورية، واسترضائها، والسعي لإطلاق مبادرة عربية لوقف التطاول على سورية من قبل فريق الأكثرية اللبنانية والعمل على إعادة صياغة العلاقات بطريقة جديدة، والاستعجال العربي لكسر مرحلة جمود، وتباعد بين سورية والسعودية ومصر، تفيد بإمكانية إعادة إطلاق ما كان يسمى بدول الثقل العربي، وبإعادة تحريك فاعلية النظام الرسمي العربي على قاعدة تعزيز التضامن وحماية المقاومة ومشروعيتها وتحريك التسوية السياسية على أساس مبادرة بيروت التي ألزمت العرب بتلازم مسارات التفاوض والتطبيع بإقامة الدولة الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية على قاعدة قرارات مجلس الأمن 228-242-194 كشرط لازم.

 

رابعة النتائج النوعية، التغييرات الحادة في اتجاهات سير الأزمة في العراق، وانفتاح آفاق لتصعيد دور القوى والمجموعات المقاومة في صفوف وقيادة الشعب العراقي بعيدا عن التقسيمات المذهبية والطائفية والاثنية التي يرسيها ويريدها الاحتلال، وبالتالي إقفال الأبواب أمام محاولات بذر بذور فتنة في العراق تجتاح المنطقة وتقسم المسلمين وتنهكهم. وفي هذا السياق يجري تحرك الزعيم الشيعي العربي مقتدى الصدر، صاحب الموقف المعروف من الاحتلال ومن وحدة وعروبة العراق، وطرد الاحتلال الأمريكي وتصفية نتائجه المدمرة.

 

خامسة النتائج، تقوية سورية، وتصليب خيارتها الوطنية والقومية وفتح جبهة المواجهة على مصراعيها من القدس إلى طهران في جبهة متراصة متلازمة مرروا ببغداد وبيروت وبالتالي تحقيق الحلم العربي والإسلامي التاريخي في إقامة جبهة شرقية متصلة.

 

سادسة النتائج، تقوية إيران، وتعزيز صمودها وخياراتها الاستقلالية بما في ذلك حقها المطلق بامتلاك التكنولوجيا النووية، والتفاعل مع سورية لمنع قيام معارضة عربية و/أو إسلامية بأوامر أمريكية أوروبية، وبالتالي جعل معركة إيران واستقرارها وحقها بمثابة معركة مفتوحة ذات طابع إسلامي وشراكة عربية.

 

سابعة النتائج وأهمها، تكمن في إرساء مقدمات تحالف إقليمي صاعد، يمتلك عناصر قوة نوعية هائلة، يستند إلى التحالف السوري الإيراني ويستطيع إقامة علاقات تفاعل خلاق مع تركيا ومع باقي الدول والحركات التحررية الإسلامية، لاسيما المتحررة والساعية إلى التحرر من الهيمنة الأمريكية الأوروبية وامتلاك موقع تحت الشمس.

 

ثامنة النتائج، ومن بين النتائج الهامة جدا، للقمة وما تلاها، كتكريس وتطوير لما سبقها على مدى عقود من علاقات كفاحية سورية إيرانية كانت السبب، ونقطة الاستناد والارتكاز في حماية المقاومة وإطلاقها، وفي حماية خيارات الاستقلال السورية والإيرانية، وما أدى إلى إسقاط النظام العالمي المتفرد، وإسقاط محاولة إقامة نظام عالمي ثنائي القطبية أمريكي أوروبي، وما يشكله إعلان جبهة مقاومة عريضة قوية تستند إلى دولتين محوريتين في الإقليم، وعلى المستويات العالمية، من شأن هذا التحالف أن يرفع من شأن العرب، والمسلمين وان يضعهم على طاولة القوى الفاعلة في تغيير التاريخ والتوازنات الدولية، والإقليمية، خاصة أن جبهة المقاومة المعلنة تقف في جبهة المواجهة المفتوحة على مصراعيها في جنبات المنطقة الأربع، وتشكل عنصر توليد المستقبل من رحم التاريخ والواقع، وتقف بالمرصاد للمشاريع الامبريالية الساعية لإسقاط المنطقة تمهيدا لمحاصرة أسيا وإسقاطها.

يمكن القول بجزم، أن زيارة نجاد لسورية، وإعلان جبهة المقاومة تشكل مفتاحا ذهبيا لحقبة عربية إسلامية بسماتها وبصماتها ومستقبلها، يصبح ما قبلها غير ما بعدها على كل الصعد، والشواهد والوقائع تتقاطر واحدة إثر الأخرى، في صلابة سورية، وصلابة إيران، وفي انتصار المقاومة في فلسطين، والتحولات الجارية في لبنان وفي النظام الرسمي العربي، وفي موجة الصعود العاتية للحالة الإسلامية الجهادية المتحالفة فيما بين أطيافها، ومع الحركة القومية الوطنية العربية التي تشكل سورية قاعدتها ودولتها القائدة القاعدة.

 

خلاصة: واحد من خيارين

الجبهة المعلنة، وما أطلقته وستطلقه من تفاعلات وتحولات تضع المنطقة والصراع معها وعليها، أمام خيارين حادين، فإما نحن نقف على بوابات جهنم ويوم القيامة، فيما إذا ركبت الإدارة الأمريكية والأوروبية، بتحفيز ودفع من اللوبي الصهيوني رأسها وأفكارها المجنونة، وأقدمت على عمل عسكري ضد إيران، أو ضد سورية، أو ضد حماس والفلسطينيين، أو ضد المقاومة في لبنان باعتبار أن تلك عناصر في جبهة المقاومة. أو الخيار الثاني يترجم بنضج في أوروبا، وأمريكا، وعجز في إسرائيل وقدراتها تدفع إلى دخول المنطقة مرحلة البحث في تسوية سياسية شاملة ما فوق قارية، تشمل قضايا الصراع، بدءا من إملاء فراغ الهزيمة الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة، مرورا بتسوية للصراع العربي الصهيوني أساسه قرارات 242-194، وصولا إلى حق إيران بامتلاك التكنولوجية وعناصر القوة، إلى إعادة تعويم النظام الرسمي العربي متحررا من السيطرة والإملاءات الأمريكية الأوروبية، وبما في ذلك مسألة النفط وخطوط النقل، والأسعار، والحصص، ومستقبل العراق، والإقرار الدولي بحق الإقليم بإقامة سوق مشتركة تؤسس لاتحاد ما فوق قومي لأمم الإقليم وتحرير وتوحيد كل أمة على حدة.

المرحلة حرجة، واللحظة خطيرة، وفي قلبها جاءت زيارة نجاد وأحدثت نقلة نوعية هائلة في تنظيم الجهد في جبهة المقاومة الشاملة، والأتي أعظم.

  

ميخائيل عوض

بيروت 6-2- 2006