حرب تموز... المعركة الخاسرة

ط . ع


ثلاثة وثلاثون يوما انتهت بهزيمة أميركا ومن لف لفيفها. الآن وبعد أن انتهت الحرب هل كانت هذه هي المعركة الوحيدة لإخضاع لبنان؟

العقل الواعي يدرك أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. المعركة الأولى في الجولة الحالية بدأت في 14 شباط 2005 وانتهت دون أن تحقق أهدافها. بدأت المعركة الثانية، وكانت سياسية وانتهت أيضا بالفشل، وعندما لم يبق أمام أميركا ما يلزم من الوقت لعبت الورقة الأخيرة، ودفعت بالمعركة العسكرية في 12 تموز إلى الواجهة، ظنا منها أنها ستكون الحاسمة ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

في العام 1948 أعلنت دولة إسرائيل وأعلنت الحرب على الشعوب العربية وأنظمتها إذ كانت رافضة لهذا الكيان. وصرح حينها وزير خارجية إسرائيل موشي شاريت أن الهدف هو منع وجود حركات تحررية عربية شعبية أو رسمية. في العام 1948 كانت الدول المجاورة لإسرائيل كلها معادية لها. اليوم لم يبق من هذه الدول على عدائه لها سوى لبنان وسوريا. والسؤال هل هذه الدول اختارت الصلح مع إسرائيل  بحرية وبناء على تفويض شعوبها؟ أم أن خرقا ما لهذه الأنظمة دفعها للاستسلام. بالتأكيد ليست الشعوب من اختار الاستسلام.

حققت المقاومة في لبنان انتصارا تاريخيا على إسرائيل في العام 2000 بعد أن أجبرتها على الانسحاب من الجنوب اللبناني دون قيد أو شرط. ولم تستطع أميركا أن تنتزع اتفاقا للسلام مذلا مع سوريا. كل الأبواب موصدة، سوريا ولبنان ما زالا يرفضان الرضوخ للإرادة الصهيونية، وشعبا البلدين كلٌ ملتف حول قيادته ومؤيد لها.

في العام 2000 بعد الهزيمة الأولى بدأت الدوائر السرية في أميركا وإسرائيل تحضر لجولة جديدة تبدأ بإحداث انقلاب في لبنان وسوريا يأتي بسلطتين جديدتين تحملان المشروع الأميركي وتَنساقا خلف الإرادة الصهيونية، ويتم فصل المسارين اللبناني والسوري لإجراء مفاوضات ثنائية.

كيف يحدث ذلك؟ الجواب معقد، ولكن سنوات من التفكير تستطيع أن تبتكر الخطة التي ستنقل هذين البلدين من الضفة الممانعة والمقاومة إلى الضفة الخائنة. تعتمد هذه الخطة على إحداث صدمة كبيرة لدى الشعبين اللبناني والسوري يدفع الأول إلى معاداة سوريا، ويدفع الثاني إلى الانقلاب على الدولة. هذه الصدمة يجب العمل عليها بدقة. فنحن بحاجة إلى إثارة الرأي العام في لبنان وسوريا. فتم التركيز على الاغتيالات، وكان اختيار الشخصية المناسبة يخضع لكثير من التدقيق، هذه الشخصية اللبنانية يجب أن يكون لها تأثير في سوريا، ويجب أن تؤثر بشريحة واسعة من اللبنانيين وتنقلهم من الموقف المتحالف مع سوريا إلى الموقف المعادي لها.

في لبنان هناك ثلاثة مذاهب لها ثقلها الشعبي: السنة والشيعة والموارنة. عند الموارنة، لم يكن يوجد في الساحة حينها زعامة أضف إلى أن الموارنة ليسوا حلفاءاً لسوريا. عند الشيعة، الأمر محسوم لأن إسرائيل هي المتهم الوحيد. لم يبق إذن إلا أهل السنة فهم من حيث العدد كثر وهم أيضا حلفاء لسوريا، وقتل شخصية سنية بارزة يحقق المطلوب.

أولاً: إثارة الرأي العام اللبناني وخاصة السني.

ثانياً: نقل الطائفة السنية من الموقع العروبي المتحالف مع سورية إلى الموقع الأميركي المعادي لسوريا.

ثالثاً: إشعال الثورة في لبنان ونبذ كل صديق لسوريا واستلام السلطة: "ثورة الأرز" على غرار "الثورة البرتقالية".

رابعاً: إثارة الرأي العام السوري على دولته وشحنه مذهبيا وإيجاد الذريعة لبعض العملاء ليحدثوا انقلابا تلتف حوله الجماهير.

هذه كانت بداية المعركة الأولى التي تبعها عدد من الاغتيالات من أجل بث الروح في "الثوار" عندما كانت تلين عزائمهم. وبعد فشل هذه المعركة لجأت أميركا إلى السياسة علها تنتزع ما عجزت عن انتزاعه بالفوضى الهدامة. وهذه المرة فشل أعوانها، فكان أن أعطت الضوء الأخضر لإخضاع لبنان بالقوة. ولكن المقاومة فاجأت الجميع، وردت بالقوة وأرهبت العدو، فهزمته. أميركا خرجت مكسورة الخاطر من حربها هذه، إلا أنها حققت انتصارا وحيدا وهو أنها أمنت الحماية لأنابيب النفط التي ستمر في مياه المتوسط، من بحر قزوين عبر جورجيا حيث الثورة البرتقالية، وعبر تركيا نحو إسرائيل.

فهل كانت هذه الحرب لاسترجاع الأسيرين؟ وهل حزب الله من اتخذ قرار الحرب؟ أم كانت حربا لإخضاع لبنان وتأمين مسار النفط بقرار اتخذته الإدارة الأميركية؟