هل تغري أميركا العدو الصهيوني بالهجوم على سورية؟

الشيخ إبراهيم الصالح،

كاتب من لبنان
mohammad.elsaleh@gmail.com

 

لم يكن يدور في خلد اميركا إنهاء سياسة الاحتواء المزدوج لايران والعراق عندما اسقطت نظام صدام حسين. فلقد رأت في حضورها المباشر بعد احتلال العراق ضمانا وتعويضا، ومخططها لعراق "ديمقراطي" يكون محور منظومة عربية متماسكة تتفوق على عراق "حلف بغداد" الخمسينيات، سيكون إسفينا يدق في قلب الحلف الايراني- السوري مما سيفكك هذا الاخير لمصلحة النظام الامني الاميركي الجديد، الشرق الأوسط الاكبر.

لقد كان الطموح الاميركي كبيرا لاستيعاب دولة العدو الصهيوني ضمن المجتمع الجديد، وكان الرهان على ان دولة العدو من الممكن ان تلعب دور الوكيل الاول والاساس في المنطقة، بل وان كل السياسات والقوانين التي حكمت المنطقة منذ القرن العاشر الميلادي وغزوات الفرنجة الهمجية لبلادنا حتى اليوم ستنتهي لمصلحة السياسة "الخلاقة" لأميركا رأس العالم بلا منازع.

ولم يكن يدور في خلد اهل بلادنا ان يستسلموا، فاندلعت المقاومة مبكرا، لتتطور بشكل هائل ضد الغازي الأميركي، محيلة أحلامه إلى كوابيس، وبدل أن يطلق مشروع الامن الاقليمي الجديد البديل عن سايكس- بيكو، اضطر للتلهي بمواجهات لا نهاية لها مع المقاومة في العراق من جهة، وبتقدم حماس على حساب محمود عباس واتباعه بعد اغتيال ابي عمار من جهة أخرى، أما ثالثة الأثافي فكانت هزيمة اميركا بالواسطة عبر الفشل المطلق لعدوان الجيش الصهيوني على لبنان في تموز الماضي، محيلة المخيلة الاميركية الخلاقة الى فراغ، ليتأكد أن دور القوى الاقليمية ما زالت اهميته بالغة وحاسمة حتى في زمن القطب الواحد.

وهكذا فقد ظهر فشل السياسة الاميركية بارزا للعيان، ولم تستطع تحويل المنطقة العربية والشرق الاوسط برمته الى حديقة خلفية تمتد من افغانستان الى المغرب، في التحضيرات للمعركة المقبلة مع الصين العدو المحتمل بعد عقد من الزمن. لقد ايقظ هذا الفشل قوى كثيرة لا اقلها روسيا "القيصر" بوتين وريثة الاتحاد السوفياتي المنحل، إذ أعادت معارك الصيف الماضي لها البريق، بعدما استطاعت الاسلحة الروسية المتخلفة التي انتجت في الحقبة السوفياتية ان تنتصر على القرار وعلى الأسلحة الأميركية الأشد تطورا في العالم، واستحال الجيش الصهيوني الاقوى في المنطقة الى هراء.

لقد عظم هذا كله من اهمية الحلف الايراني- السوري، واقترن هذا بالتحولات الداخلية بعد انتخابات الكونغرس بمجلسيه، وتراجع اليمين المحافظ الجديد، وتكبيل يدي بوش بقرارات الكونغرس الجديد، فاضطرت أميركا للتحاور مع الحلف، إلا أن الخشية من حوار من موقع الضعيف، دفع أميركا لتسخين كل المحاور من جديد.

وكذلك بدل أن ينتصر عباس في فلسطين عبر خطة يقودها دحلان في غزة امرت بها ومولتها واشنطن، أغدقت لأجلها الأموال على الحرس الرئاسي، جاءت النتائج معاكسة، وانتصرت حماس وسيطرت بشكل مطلق على غزة، محافظة على شراكتها في ميزان القوى في الضفة الغربية، وهذا ما رفع وسيرفع نسبة التوتر في لبنان، فالأميركي أصبح في اشد حالات التوتر يرفض اي مشاركة من حلفائه في حل المشاكل الداخلية فيه، يسعى لاستعادة المبادرة باية طريقة، عله يوازن بعد خسارته الفادحة في فلسطين، الضلع الأضعف كما كان يتصور، ودون أن يتجاوز دوار المقاومة العراقية رغم كل الخطط البوشية.

 

فمن أين يأتي بحل؟

وبعدما فشلت اميركا في فك عرى الحلف، فما هي الطريقة لتوجيه ضربة له؟

أمام المأزق المتعاظم للسياسة الاميركية في المنطقة، ومع انعدام امكانية شن حرب جديدة ضد إيران، وفشل سياسة تقليم الاظافر التي اعتمدتها للقضاء على حماس وحزب الله والمقاومة في العراق، وفشل مخطط اغلاق ملف الصراع العربي- الصهيوني، واستمرار الحلف وسورية خصوصا محورا للحركات العربية المناهضة في  فلسطين ولبنان والعراق.

لم يعد هناك خيار امام اميركا الا توجيه ضربة لسورية الجزء الوسيط من الحلف.

إلا أن حاجة الجيوش الاميركية في العراق لحشد قواتها لتحقيق خطة بوش للسيطرة على بغداد، والكثير من العقد السياسية الاميركية الأخرى، تمنع هذا الخيار، ولا تسمح لها باستخدام القوة بشكل مباشر ضد سورية، وأمام عجز الحكومتين العراقية واللبنانية وانعدام اسباب قيام حرب عربية– عربية مهما كانت المبررات، وانصراف تركيا باستراتيجيتها الاوروبية عن المنطقة، والضغوطات الصهيونية لأن يأخذ جيش العدو فرصة ثانية ليثبت من خلالها ان هزيمة الصيف الماضي لي تحيله الى مجرد فزاعة "خيال مآتة".

وبسبب فقدان القرار السياسي والعسكري من يد حكومة العدو، واستئثار أميركا بقرار الكيان الصهيوني، كل ذلك يسمح باحتمال اغراء العدو ودفع عساكره لمغامرة ثانية هذا الصيف ضد سورية. وان مراكز الضغط للوبي الصهيوني في أميركا، واليمين المحافظ الجديد الراغب بالعودة من شباك اي حرب بعدما اخرج من الباب على اتم الجهوزية لدعم هكذا اتجاه، بل إن السيدة وورمسر الاشد تالقا بينهم الان تسعر الامور في هذا الاتجاه.

وبمتابعة بسيطة لتصريحات القادة الصهاينة المتكررة عن سورية، وتجديد أسلحة جيشها، وترميم تحصينات خطوط الجبهة في الجولان، والحجم الكبير لقوتها الصاروخية التي اتخذت اهمية استراتيجية بعد معارك الصيف الماضي من وجهة النظر الصهيونية، التي أصبحت مبررات للمناورات المتتالية للجيش الصهيوني، خاصة بعد وصول اشكنازي الى رئاسة الأركان، والتصاريح المتتالية لقادة اسلحة جيش العدو، بما فيهم قادة الاجهزة الامنية المختلفة، عن احتمالات الحرب مع سورية، ما قاد المحرر العسكري للقناة العاشرة لتلفزيون العدو للاستنتاج "ان الحرب على سورية قد تصبح نبوءة تحقق نفسها".

ماذا سيفعل الصهاينة بعدما استبدل المقاومون العرب فصل المسارات التفاوضية بوحدة المسارات العسكرية؟

وبعدما ثبت ان الانتصار على العدو في اي معركة مقبلة، يحتاج إلى خطوط جبهة غير مكشوفة تحيل استخباراته وسلاحه الجوي أعمى، وأسلحة صاروخية ترد على ضرباته الجوية، وإطالة مدة المعركة قدر المستطاع.

اما التضحيات والصمود فلم يتخلف عنها شعبنا في أي يوم من الايام.