Webmaster Elie: elie@kobayat.org

Back to Documents

 

عانت كثيراً الظلم والفقر والتخلف

عكار عرين الحرمان تفجّر الابداع والانفتاح

عكار - ابراهيم طعمة

-- نقلاً عن صحيفة الانوار --

 

تحول الانسان في لبنان الى مجرد اداة لانتاج لقمة عيشه، وأضحت الشريحة الكبرى من المجتمع اللبناني اسيرة ما يفرض عليها من اعباء اقتصادية ومعيشية ابعدتها تدريجياً عن حاجات انسانية، يحتاجها العقل والروح من علم وثقافة وفنون وفكر... تفجر الابداع الانساني وترتقي به الى الاسمى والافضل، لتكون اللبنة الاساسية للتطوير والتحديث، على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ولعل ما نشهده اليوم من انتشار للمحطات الفضائية والبرامج المختلفة التي تتلاءم وحاجيات المشاريع الاقتصادية، قد ساهمت الى حد بعيد في ابعاد الناس عن الاهتمام بالنواحي التي سبق ذكرها.

والملفت للنظر الظهور المتواصل لمبادرات - ويا للمفارقة الكبيرة - في عرين الحرمان عكار، اكتسب اصحابها تراثا ابداعيا في فترات ما قبل الحرب، واصروا على الاستمرار في نهجهم على مبدأ (ان تنير شمعة خير من ان تلعن الظلام)، ليندرج عملهم في هذا السياق، وليتغذى من تراث موروث منذ اواخر الستينات، وتاريخ عريق يعود الى مطلع القرن العشرين، عندما كانت تنار المسارح على ضوء الشموع والفوانيس.

فالحركة المسرحية لم تغب عن عكار طوال قرن ومطلع قرن آخر، وهذا امر جدير بالاهتمام والبحث، ان يحافظ هذا الفن المبدع على استمراره كل هذه السنين الطويلة، منتقلا من جيل الى آخر غير متأثر بالظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية التي مرت على البلاد، خلال كل الحروب الكونية والاقليمية والمحلية، بل كانت الحركة المسرحية العكارية مواكبة لهذه التطورات، ومحتفظة بمعطياتها واحداثها. وشهدت المدارس الرسمية والخاصة في المناسبات الدينية والوطنية ومن وحيها تمثيليات وقصائد لاحمد شوقي... وغيره، متعددة الشخصيات، ومشاهد من مسرحياته وقصص من كليلة ودمنة، ولم تخل مدرسة من انشطة مسرحية من هذا النوع... الى تجارب اخرى في جمعيات واندية شبابية وثقافية واعمال فردية. الى مناسبات ولقاءات بحثت في شؤون وشجون المسرح وندوات ومبادرات لايجاد حالة من التنسيق بين العاملين والراغبين باستمرار العمل المسرحي في عكار وتطويره. خصوصاً مع بروز اهتمامات جديدة بالمسرح الى جانب مبادرات سابقة.

وابرز ما تحقق على هذا الصعيد كانت التجربة الاولى من نوعها لنادي الارشاد والتضامن في بينو، والذي اطلق مبادرة (اصدقاء المسرح) مستندا الى تراثه بالعمل الثقافي والمسرحي، بهدف ايجاد مساحة للحوار والمشاركة والتطوير، وتشجيع المسرح المحلي وترويجه واستقدام عروض مختلفة ومحترفة، واقامة حوارات وندوات حول المسرح، اضافة الى حث الشباب والناشئة على الانضمام الى ورشة الثقافة والفن والفكر، من خلال المسرح، وكانت هذه المبادرة بتمويل ذاتي من المشاركين الذين وصل عددهم الى الستين، واثمرت تقديم عدد من العروض المسرحية لفرق عكارية، وكذلك استقدام عروض من مناطق اخرى.

 

تجربة رائدة.. ومسرح

وعن هذا الموضوع تحدث رئيس النادي السابق نقولا طعمة، موضحاً ان تجربة (اصدقاء المسرح) ابصرت النور بعد سلسلة مشاورات واجتماعات تنسيقية مع فرقتي المدرسة الوطنية الارثوذكسية في الشيخ - طابا، وفرقة مسرح الريف في بزبين، ومع عدد من الاختصاصيين والمهتمين بالشؤون الثقافية والفنية وخصوصاً المسرحية. وقد لاقت هذه الخطوة استحساناً لدى الجميع لرغبتهم في ديمومة المسرح في عكار، وتعريف الاجيال الصاعدة على هذا النوع من الابداع الانساني.

 

وقال طعمة ان هذه التجربة ما كانت لتتم لولا الدعم الكبير الذي قدمه دولة نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس، بتبرعه بمبلغ تجاوز المئة الف دولار اميركي، لبناء قاعة ثقافية - اجتماعية، واستقدام العروض المسرحية المختلفة فقدمت فرقة المسرح العسكري التابع للجيش اللبناني عدداً من اعمالها، كما قدمت فرقة مسرح الدمى اللبناني لفائق حميصي وحميد دكروب مسرحيتي (يللا ينام مرجان) و(ازرق يا زهر) للاطفال، ومسرحية (وادي قنوبين) لشربل النعيمي، وكذلك عرضت فرقة الدبابير احدى مسرحياتها على خشبة النادي، اضافة الى اعمال فرقتي مسرح الريف والمدرسة الوطنية الارثوذكسية.

ولفت طعمة الى الندوات التي اقيمت لمناسبة اليوم العالمي للمسرح وشارك فيها عدد من المفكرين والادباء والمسرحيين من عكار والشمال. منوها بدور المدير العام السابق لوزارة الثقافة مطانيوس الحلبي بدعم هذه التجربة والعمل الثقافي العام.

يبدو ان بداية الاعمال المسرحية كانت مطلع القرن العشرين، وتحديداً العام 1903 حيث قدمت مسرحية قديمة (اوديسا والملك) في القبيات، وصولاً الى العام 1919 عندما وضع عارف ديب بحليس مؤلفه (سورية النائحة واحلاف الترك) وبثلاث لغات: عربية وانكليزية وبرتغالية. ووصفها بحليس بأنها (رواية تاريخية تمثيلية) كُتب قسم كبير من المسرحية شعراً، شخصياتها اكثر من عشرين، مقسمة الى سبعة فصول موزعة على 35 صفحة من القطع الكبير، عرضت هذه المسرحية في العشرينات وتنقلت بين رحبة ومنيارة، وعرضت في بينو في مسرح الكنيسة الانجيلية كما مثلت على مسرح المدرسة الانجيلية في صيدا العام 1928

 

عمل مسرحي آخر برز في منيارة عام 1967 متأثراً بالهزيمة حيث كتب نعيم الياس حنا مسرحية بعنوان (الارض المحروقة).

بالانتقال الى بلدة القبيات حيث ظهر اول عمل مسرحي فيها في العام 1903 حسب ما اوضحه الاستاذ شعلان معيكي صاحب اعمال مسرحية ومتتبع لحركة المسرح الذي رأى ان القبيات كانت عريقة في انتاجها المسرحي، الذي استمر سنين طوال، وتوقف مع اندلاع الحرب الى ان عاود الظهور في العام 1996 مع مسرحية (الكرسي) للاب جورج كرباج.

ويقول معيكي انه بحسب الاب فيليب الحاج صعيبي، كان هناك مسرحيون في القبيات كتبوا باللغة السريانية...

 

مسرحيات تتوالد

وفي العام 1930 مثلت مسرحية (صلاح الدين الايوبي) لمؤلفها الاب نعمة الله طعمة من بلدة العزيز في سوريا، وهو من الرهبانية اللبنانية المارونية، وعمل مدرساً في القبيات، ثم انتقل الى دير سيدة القلعة في منجز، تولى تقديم هذه المسرحية مجموعة من شباب القبيات، في مقدمهم الاستاذ نخلة ضاهر الذي كتب الشعر والادب، وانتج في العام 1964 مسرحية (فخر الدين).

في العام 1930 قدمت في القبيات مسرحية (الملك قسطنطين) ثم مسرحية (يوسف الحسن) اللتين اخرجهما اختصاصي هو الاب ايليا الكرملي بمساعدة راهبة كرملية من حيفا، تدعى الاخت شفيقة، ومن اللواتي شاركن بالتمثيل فيها سيدة تدعى ايلان ضاهر.

ويوضح معيكي انه تم تخصيص مبنى قديم فسيح كمسرح لعرض المسرحيات آنذاك.

واستمر الانتاج المسرحي من دون انقطاع من العام 1920 حتى العام 1939 بداية الحرب الكونية الثانية.

اما معيكي فقد قدم عملين مسرحين الاول عام 1970 بعنوان (عودة مغترب) والثاني (الام) في العام 1971، واخرجت هذه المسرحية السيدة جميلة ضاهر موسى ابنة الاستاذ نخلة الذي سبق ذكره وهذه المسرحية سجلت على كاسيت فيديو.

وبالعودة الى العام 1967 شهدت عكار ولادة فرقة مسرح الريف في بزبينا، وما تزال تقدم اعمالها حتى الآن، وبعد ما يقارب الاربعين عاماً على انطلاقتها، تمكنت الفرقة من انشاء مسرح خاص بها بعدما قدم مؤسسها الفنان نقولا عيسى قطعة الارض اللازمة، وقام اعضاء الفرقة ببناء المدرج والمسرح والقاعة التابعة لهما..

 

ويبدو ان حرص القيمين على هذه الفرقة، على توريث الاجيال تراثها ادى الى استمرار عملها وال هذه المدة، فكان الممثلون يتجددون جيلا بعد جيل وخصوصاً من طلاب المدارس الذين ترعرعوا في ظل اعمالها.

ويمكن القول ان فرقة مسرح الريف في بزبينا تشكل اصراراً على الاستمرار على الرغم من حالة الانحسار، وقد ولدت هذه الفرقة بعفوية ومن دون قرار مسبق، ففي صيف 1967، صيف الهزيمة، مجموعة من الشباب تقارب العشرين من العمر، تناقش، تحاور، تقرأ الجرائد، تتفتح على الحياة والمفاهيم الجديدة، تعمل في المخيمات الاجتماعية، كل يحاول تحقيق ذاته.

 

وبالمصادفة، في ذلك الصيف، يتم اللقاء مع الشاعر والروائي الراحل خليل فخر الدين، ضمن مخيم للانعاش الاجتماعي... الذي قدم النص المسرحي والخبرة والتدريب والاخراج، وفي اواخر الصيف تولد المسرحية الاولى، وعلى اساس ذلك يتم الترخيص لتأسيس نادي شباب بزبينا عام 1968، وتتوالى المسرحيات والتمثيليات الصغيرة كل سنة حتى عام 1974، وتأتي الحرب عام 1975 فيتوقف العمل حتى 1978 حيث تعاود الفرقة عملها.

واستمرت الفرقة رغم ارهاصات الحرب التي عادت ولم تنته الا في العام 1991، وما زالت الفرقة حتى الآن تثابر على الانتاج كل سنة تقريباً.

 

مسارح ومدرج

في ارشيف الفرقة ما يقارب العشرين مسرحية كبيرة وعدد من التمثيليات الصغيرة التي تقدمها الفرقة من ضمن السهرات الفنية، حيث يتم جمع الشباب والاطفال باعداد كبيرة للمشاركة. وكانت بحق مدرسة صيفية بنشاطات ضمن اعمال هذه الفرقة... العديد من الشباب حملوا لواء الفرقة سابقاً، وبقي نقولا عيسى يتابع التأليف والاخراج والتمثيل والاخرون يساعدونه ويحملون اعباء البرنامج... ينفذون خطوات الاعداد للمسرحية... (تركيب المسرح - ديكور - اكسسوار - صوت - بطاقات - استقبال - تنظيم - تمثيل - اخراج الخ) وكل ذلك دون اجر.. الهم الوحيد دمغ مسيرة المسرح وتطويرها ومن ثم مواكبة الاجيال الصاعدة واعدادها فنياً واجتماعياً عبر تقديم الاعمال الجادة والنظيفة التي تسجل دائماً هموماً محلية او اقليمية وانسانية شاملة كما تعمل الفرقة ايضاً على متابعة كل جديد في المسرح والمشاركة في الندوات واللقاءات الخاصة بهذا المجال.

وقد قدمت العروض الكثيرة في بزبينا، وفي منطقة عكار والشمال وفي طرابلس (الرابطة الثقافية - البداوي - الميناء - القبة) وفي الكورة وفي البقاع.

اول عمل للفرقة كان (انتقام الباشا) من تأليف واخراج خليل تقي الدين، ومسرحية من المسؤول لمخائيل عيسى، ثم توالت الاعمال التي الفها واخرجها نقولا عيسى ونبيل خبازي، وكانت هذه الاعمال بمثابة عرض لتطورات الاوضاع السياسية والاجتماعية في لبنان والمنطقة، واحياناً في العالم وجاءت هذه النصوص معبرة عن تلك التطورات بشكل خفي وغير مباشر.

استطاعت الفرقة ان تحصل على جوائز التقدير من المجلس الثقافي للبنان الشمالي، ومن المدرسة الوطنية الارثوذكسية وكذلك من رابطة الشبيبة الاجتماعية، وتحدثت عنها الصحف بغزارة، كما انه قد افرد لها فصل واسع في كتاب الدكتور نزيه كبارة (مئة عام على المسرح في الشمال)، وفي اطروحة السيدة رنا نعمة للعلوم الاجتماعية كذلك في كتاب (عكار الثقافي) من اعداد خريجي المدرسة الوطنية الارثوذكسية - وفي كتاب: وجه لبنان الابيض للدكتور يوسف طوني ضو.

تعاونت الفرقة مع المسرح الشعبي في رحبة الذي اسسه الاستاذ سعد الله سابا، وقد مرت سنوات عديدة يتناوب الجمهور على مشاهدة اعمال مسرح الريف في بزبينا والمسرح الشعبي في رحبة - اضافة الى ذلك فقد ساهمت الفرقة في تأسيس (اصدقاء المسرح) التي يرعاها نادي الارشاد والتضامن في بينو وقدمت عروضاً عديدة على مسرح هذا النادي كما وان الفرقة تعاونت وما تزال مع الاستاذ جورج رزق وفرقته (فرقة المدرسة الوطنية الارثوذكسية).

 

اخيراً فقد عملت الفرقة على بناء (مدرج عيسى للفنون) تجاوره قاعة للندوات وللمعارض على ارض قدمها نقولا عيسى، وباشرت بتقديم اعمالها على هذا المدرج خلال العامين السابقين. وما زال العمل قائماً على تطوير البناء وبجهود حقيقية من عضو الفرقة المطرب جان ناعسي الذي رافق العمل منذ بداياته وما زال كعادته يعمل بيده.

وهنا لا بد لنا من الاشارة الى مسألة اساسية وهامة.. كيف امكن لفرقة ان تعيش في عكار ولا تجد لها سندا الا من جمهورها، كيف امكن لهذه الفرقة ان تستمر وان تبني بأكلاف باهظة هذا المدرج ومن ثم تعمل على تأمين متطلبات الاعداد المسرحي المكلفة?...

الجواب كان من نقولا عيسى ومن المؤسسين والعاملين الحاليين وهو ان الايمان بضرورة التعاون وتذليل العقبات مهما بلغ شأنها... قائلين: نحن نريد ان نؤكد على مثل جديد قديم في البناء والتطور انه وبكل بساطة مفهوم (العونة).

وبدا ذلك واضحاً، فقبل بضعة ايام من تقديم العمل المسرحي والفني لهذا العام... اعداد من الشباب والصبايا يعملون على تحضير المسرح وتنظيف المدرّج وتأمين مستلزمات العمل المعقدة. في غياب مسؤولي الفرقة الذين تم الاتفاق معهم على طريقة الاعداد (ونحن الآن ننفذ تلقائياً... ودون اي اجر). تمويل الفرقة من انتاجها الخاص، غريب هذا الامر، انها ولا شك حالة فريدة يجب التوقف عندها، تبدو وكأنها تعيش خارج هذا الزمن من التراخي وانحسار القيم. هذا الانحسار الذي يحاصرنا ليس في مؤسساتنا الثقافية الاجتماعية فقط بل يصل الى بيوتنا...

ولاستيضاح المسألة اكثر من المسؤول عن الفرقة نقولا عيسى قال: لقد عملنا منذ اكثر من عقدين من الزمن على اعداد الاجيال للانخراط في المسرح والانشطة الفنية والفولكلورية وكان آخرها سهرة (مواهب) لهذا الصيف وقد مر في هذه الفرقة ما يقارب المائتي شخص منهم من هاجر ومنهم من اعتكف لظروف خاصة وبقي صديقاً يحن لفرقته ويشجعها ومنهم ما زال يعمل ودائماً هناك وجوه جديدة: (شباب صبايا واطفال...) نحن لا ننظر كثيراً الى الوراء ولا نلعن الظلام كثيراً بل نعمل على التطلع الى الامام لنقول هذه هي تجربتنا لعلها في نظر البعض تجربة مجنونة من حيث اعباؤها المالية ولكنها بالتالي ما زالت ناجحة لانها لم تجعل من المال هدفاً في اي لحظة... اعتمادنا هو فقط على انفسنا وعلى جمهورنا الجميع يهتم بشؤون الفرقة... اذكر على سبيل المثال انه في العام 1997 جاءنا احد المؤسسين وهو الاستاذ سليمان محمود ليقول لي كل عام وانت بخير وذلك في 27 آذار فاستغربت فقال لي اليوم هو اليوم العالمي للمسرح.. بصراحة لم اكن قد سمعت بهذا العيد من قبل. اخذت الفكرة وطرحتها على نادي الارشاد في بينو وعلى اساسها اقيمت الندوة التي شارك فيها: المدير العام للثقافة آنذاك الدكتور مطانيوس الحلبي والدكتور نزيه كبارة وممثل المسرح العسكري العميد اسعد مخول وعدد كبير من العاملين في الحقل المسرحي وكنت انت من بين المشاركين.. لقد كانت الندوة الاولى في عكار والوحيدة التي احيت هذا اليوم.

 

هذه هي فرقة مسرح الريف ولعل الغوص في ارشيفها يوضح التجربة اكثر فاكثر... انها شكل من اشكال التحدي... لا تتحدى اشخاصاً ولا مؤسسات بل تتحدى صعوبات العمل وتمد يدها للجميع من اجل المساهمة في دفع عجلة التطوير المسرحي خصوصاً والثقافي عموماً).

 

فرقة المدرسة الارثوذكسية

انطلقت هذه الفرقة في العام 1997 من حلم لمدير المدرسة المهندس نضال طعمة، ان يكتب اسم عكار، بأحرف تتحدى وجه الحرمان الذي يخيم في لياليها، ووجود استاذ في المدرسة، جورج رزق الذي برز حسه المسرحي في اعداد احتفال مسرحي لكشاف التربية الوطنية فوج - رحبة، فانطلقت ورشة العمل في فرقة عكار المسرحية، وعمل جورج رزق على جمع فريق من طلاب المدرسة، وكان العمل الاول مسرحية (بترا) للاخوين رحباني عام 1997، تحية في الذكرى لسنوية الاولى لقانا. وتوالى عرض مسرحيات الرحابنة حتى العام 2000 حيث قدمت الفرقة مؤلفها الاول (الحرية بلا تمثال) وناقشت المسرحية فكرة تحويل الشعوب الى دمى فقيرة تعيسة بحجة خدمة الحرية التي باسمها ترفع التماثيل وتبرر الجرائم.

 

وفي عام 2001 قدمت الفرقة عملها الخامس ومؤلفها الثاني (موعدنا التغيير). عام 2002 عادت الفرقة الى المدرسة الرحبانية وقدمت مسرحية (ايام فخر الدين).

- عام 2003 قدمت الفرقة مؤلفها الثالث (العدالة).

- كما شاركت الفرقة في مهرجان المسرح اللبناني، برعاية وزارة الثقافة، عام 2002، كما تشارك سنويا في مهرجانات في جامعة البلمند وفي مهرجان مار سمعان في فيع الكورة ومهرجان بلدة البيرة في عكار ومنحت الفرقة درع تقدير نقابة الفنانين التشجيعية اضافة الى تقديم عروض على مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس وفي بيت الفن - معرض طرابلس الدولي.

وعن هذه التجربة وبداياتها تحدث مسؤول الفرقة جورج رزق قائلاً:

(لعل قصص الزير سالم التي كنا نسمعها على الراديو مع جمهرة من اهل حارتنا، ثم نعيد تمثيلها بين الاحياء، متقاسمين الادوار التي غالبا ما جرت اهالينا الى نزاعات تكاد الحارات القديمة تفقد هويتها دونها، هي التي شكلت الحس المسرحي الاول منذ الطفولة، هذا الحس الذي برز بشكل لافت في اعداد احتفال مسرحي لفوج رحبة في كشاف التربية الوطنية حيث كان الاستاذ سعدالله سابا حاضراً، وبادرني يومها بجملة (هيئتك انت مخبا بتيابك). تابع رزق قائلاً: (وكانت لي محطة مهمة مع فرقة الفنون الشعبية التي كان يرعاها سابا، فلعبت دور (ابو عبدو) في مسرحية (عبدو الحي) لكن الظروف جعلت هذه التجربة مبتورة وذات عرض يتيم).

المحطة التالية لرزق كانت في رحبة مع حركة الشبيبة الارثوذكسية، فتأثر بكتب الدكتور كوستي بندلي التي (اصلت في البعد الإيماني لقضية التزام شؤون الارض).

ويضيف رزق اثناء دراستي الجامعية في طرابلس تعرفت على الفنان شربل نعيمي وعملت معه كممثل لأكثر من ثلاث سنوات ومعه تعمقت معرفتي في المسرح، وقد ساعدني كثيراً، فكان دليلي الى العديد من الكتب المسرحية المهمة.

ويعتبر رزق ان تجربة العمل المهمة هي في المدرسة الوطنية الارثوذكسية لتنطلق من مكان آخر كلياً، من المسرح الرحباني الذي ترك اثراً ظاهراً في انتاج الفرقة فيما بعد مع الحفاظ على خصوصية وفرادة الإنتاج. وعلى سبيل المثال يوضح رزق: ان مشاهد من مسرحية (موعدنا التغيير) قد عرضت في مهرجانات مسرحية ونالت ثناء الخبراء للنفحة التجريدية الخاصة بنا. وهو ما حدث مؤخراً في مهرجان الاونيسكو، حين عرضنا مقطعاً من مسرحية (وينيي العدالة).

وقال: مع احترامي الكبير وتقديري لمسرح الاستاذ سعدالله سابا والاستاذ شربل النعيمي اللذين سبق وعملت معهما، الا انني لا اعتبر المسرح الذي اشتغله امتداداً لهما.

وختم رزق: لا بد من التنويه بالدور الفعال، المشجع والداعم لولادة هذا المسرح في عكار، الا وهو مدير المدرسة الاستاذ نضال طعمة الذي لولاه لما رأت الفرقة النور، ولا يمكن الا ان نضيف الرعاية الدائمة لسيادة المطران بولس بندلي الكلي الوقار).

 

المسرح الشعبي

تجربة (المسرح الشعبي) تجربة هامة شهدتها عكار، وكان لها اثر في نمو المسرح العكاري، ترافقت البدايات مع تأسيس النادي الثقافي الرياضي في رحبة ومع توافد عدد من الشباب خريجي الجامعة الوطنية، في اوائل السبعينات الذين كانوا يطمحون الى تفعيل الحياة الثقافية والاجتماعية والفنية في قراهم.

وحول تأسيس هذه الفرقة وانتاجها اوضح مؤسسها سعدالله سابا قائلاً:

اول عمل قمت به هو مسرحية (الانتظار) 1974 عرضت على مسرح سينما رحبة. وهي مقتبسة من مسرحية بيكيت (في انتظار جودو) ومن مسرحية (صح النوم) للاخوين رحباني. حاولت من خلالها ولوج طريق العبث عند بيكيت والوصول الى بقعة ضوء متولدة من قدرة الانسان على كسر القيود التي تحاول اسر الزمن (عند الرحبانية). ومع تأثري بالحركة المسرحية الجادة في بيروت في فترة السبعينات، بادرت الى تأسيس فرقة المسرح الشعبي في عكار انطلاقاً من المعطى التالي:

ان الازمات الحادة المتولدة من الحرب والمتفاعلة مع ارث هائل من العادات والتقاليد ومخزون الذاكرة الشعبية المتنوع والمذهل تتيح امكانات كبيرة لانتاج اعمال فنية مهمة واهمها المسرح (فكنت مع بعض اعضاء الفرقة نحدد فكرة المسرحية ونعي لانفسنا الوقت الكافي لرصد معاناة الناس اليومية، متأملين في قسمات وجوههم وتعبيرات اجسادهم، مسجلين ما يدور على ألسنتهم بشكل عفوي، فتتكون عندنا المادة الخام الملائمة للفكرة، ثم نعمل على صقلها وتطويرها في سبيل بناء الخط الدرامي، فصولا ومشاهد بحيث لا يأتي العرض المشهدي نقلا فوتوغرافيا للواقع بل محاولة في اعادة انتاجه فنياً.

اهم مسرحيات الفرقة: (حط بالخرج) - (من الورشة للفرشة) - (منضل ملحوقين) - (عالمكشوف) - (عبدو الحي).

وعن الصعوبات التي واجهتها الفرقة في عملها عددها سابا:

1 - ضعف التقنيات: اضاءة - صوت - ديكور - مسرح - كواليس... الخ.

2 - العمل مع هواة يمثلون للمرة الاولى ويفهمون المسرح على انه تهريج - صعوبة الانتقال بهم الى مفهوم كوميديا الموقف. الاضطرار احيانا الى استبدال بعضهم بعد مرور وقت طويل على البروفات.

3 - النزوح الى المدينة او السفر الى الخارج، افقدنا الكثير من الكوادر المدربة، والتي باتت تتمتع بخبرة مسرحية وموهبة في التمثيل. وقد توقف عمل الفرقة نهائياً.

-- نقلاً عن صحيفة الانوار --

 

Webmaster Elie: elie@kobayat.org

Back to Documents