back to Pere Nassim Doc.


"لأنّ المكتوب لا يقرأ من العنوان : الكنيسة والعنف"

وردتني بعض التعليقات على مدوّنة: "كي ينتصر "خير البشر" على "منطق الحجر" (http://www.facebook.com/note.php?note_id=10150637936417225)  وكما يبدو لأنّ من علّقوا لم يقرؤوها كما يجب... او حتّى لم يقرؤوها بل اكتفوا بالعنوان!

وللتوضيح:

·      أنا أكيد ضدّ منطق بيع الأراضي كما جرى... وكما يجري... وحتّى كما سيجري... إلى آخر نفس في رئتي وحتى آخر رمق وآخر نبضة... ولست بحاجة لبراءة ذمّة من أحد لأن من يمسك القربان بيديه لا يستطيع أن يكون كاذبًا أو ذي وجهين ولو كلّفه ذلك التضحية بأقرب النّاس أو أبعدهم لأن الحقيقة مع الله أفضل من اكتساب رضى النّاس على حساب الحقيقة نفسها.

·      ولكّني أيضًا ضدّ منطق معالجة المريض بعد موته ... بل مع تجنيبه المرض من أساسه وهو ما تطرّقت إليه في المدوّنة المذكورة راجيًا أن ننتقل من خانة "ردّة الفعل" إلى منطق "الفعل" أي استثمار الأراضي وتثبيت النّاس لا بالنظريّات بل بالأفعال وفق ما ورد في رسالة يوحنّا الأولى: "لا تكن محبّتنا بالكلام أو باللسان بل بالعمل والحق" (1 يو 3/18).

·      ولكن أيضًا وبالتأكيد أنا - وبنفس الشراسة - ضدّ منطق القوّة. ولمن يريد أن يعرف الأسباب فليتعرّف إلى أوسكار روميرو، وهو أسقف من السلفادور، استشهد على المذبح أثناء الاحتفال بالذبيحة الإلهيّة في 24 آذار 1980، لأنّه دان إهمال الأغنياء للفقراء وعنف الفقراء في وجه الأغنياء... وقد اختصرت سيرته في كتاب للأب سامي حلّاق اليسوعي تحت عنوان "الثائر الأعزل – أوسكار روميرو"، أصدرته "دار المشرق"، بيروت، 1993. وقد ورد فيه عن لسان الأسقف الشهيد ما يلي تحت عنوان "الكنيسة والعنف":

"إذا كانت الكنيسة لا تدعو إلى أزمة، وإن كان الإنجيل لا يزعج البتّة، وإن كانت كلمة الله لا تثير، ولا تنقد خطيئة المجتمع الّذي تُعلَن فيه، فأي إنجيل هذا وأيّة كلمة؟

فالوعظ الّذي يرغبه بعض النّاس هو أن يسمعوا خواطر جميلة وتقيّة لا تضايق أحدًا. والوعّاظ الّذين لا يطرقون الموضوعات الحرجة لكي لا يزعجوا أحدًا ولكي يتجنّبوا المشاكل والمتاعب، لا ينيرون الحياة اليوميّة مطلقًا، ولا يملكون شجاعة بطرس، الّذي أعلن الحقيقة لمن لُطّخَت أيديهم بدم المسيح، وهو يعلم أنّ هذا سيكلّفه حياته، هذا هو إنجيل الشجاعة، الخبر السار، الّذي بشّر به الآتي ليمحو خطيئة العالم.

********************

نحن لا يمكننا أن نفهم جيّدًا صفحة التطويبات في الإنجيل. لذلك يظنّ الشباب أنّه بالمحبّة الّتي تذكرها التطويبات، لا يمكنهم أن يبنوا عالمًا أفضل. فيختارون العنف وحرب العصابات. ليكن واضحًا لدى الجميع:

لن تسلك الكنيسة أبدًا هذا السبيل، ولن تختار طريف العنف. وكل ما يقال بخلاف ذلك افتراء. لأنّ الكنيسة تختار طريق المسيح وهو التطويبات. أنا لا أتعجّب أن لا يفهم الشباب ذلك، لأنّهم بطبيعتهم قليلو الصبر، ويريدون فورًا عالمًا أفضل. لكنّ المسيح حين بشّر بالتطويبات منذ عشرين قرنًا،كان يعلم أنّه يشعل ثورة أخلاقيّة بعيدة الأمد. ونحن لا نرتدّ إليه ونبتعد عن أفكارنا الدنيويّة إلّا ببطء.

********************

حين تنقد الكنيسة أعمال العنف الثوريّة، فإنّها لا تنسى أن هناك عنفًا أوليًّا، وأن عنف المضطَهَدين اليائسين لا يُقمَع بقوانين متحيّزة ولا بالأسلحة أو بالسلطة التعسفيّة. لا بدّ لنا من تجنّب أعمال العنف الثوريّ. وذلك لا يتمّ، كما يقول البابا، إلّا بتضحيات شجاعة، تزهد في كثير من وسائل الرّاحة. ما دامت العدالة مفقودة بيننا، فهناك دائمًا نوبات حمّى ثوريّة. ورغم أنّ الكنيسة لا توافق على الثورات الدمويّة ولا تبرّرها، فإنّها لا تستطيع أن تدين صرخات الحقد ما لم يُبذَل جهد ظاهر لإزالة أسباب قلق مجتمعنا. هذا هو موقف الكنيسة: أن تكون مسرح نزاعات فظيعة، فهو التعبير عن أمانتها لعدالة الله ولإنجيل سيّدنا يسوع المسيح."

هذا كلّه ورد على لسان الأسقف الشهيد ولكنّي أضيف إليه ما يلي:

1-           الدّفاع عن المسيحيّة يبدأ بالالتزام بأقوال يسوع المسيح وبالتشبّه بنهجه وأفعاله.

2-           الدّفاع عن المسيحيّة وترسيخها يبدأ حين يصبح التزامنا بالكنيسة وتعاليمها قناعة راسخة لا فولكلورًا موسميًّا.

3-           الدّفاع عن المسيحيّة وترسيخها يبدأ حين تصبح القيم نهجًا للتصرّف لا شعارًا وعلى سبيل المثال أسأل:

·      هل في كيل الشتائم والكفر على الربّ تنمو المسيحيّة وتكبر؟

·      هل في تسجيل أكبر نسبة استهلاك للانترنت في سبيل متابعة الأفلام الإباحيّة تنمو المسيحيّة وتكبر؟

·      هل في تحقيق أرقام قياسيّة في مبيعات "الواقيات الذكريّة" أو "حبوب منع الحمل" تنمو المسيحيّة وتكبر؟

·      هل على طاولات القمار تنمو المسيحيّة وتكبر؟

·      هل وهل وهل ...؟!

4-           الدّفاع عن المسيحيّة وترسيخها يبدأ حين نتذكّر أن لنا جميعًا أبًا واحدًا نصلّي إليه كي نقدّس اسمه في سلوكنا وكي نبدأ ببناء ملكوته على الأرض كي تصبح كالسماء... ولكي تنمو لدينا القناعة بخبزنا اليومي وكي نغفر في قلوبنا "للناس" قبل أن نغفر لهم "أمام الناس"... ولكي نبتعد عن التجربة بإرادتنا كي ننجو من الشرّير....

آمين ومن له أذنان سامعتان فليسمع...

 

الخوري نسيم قسطون
القبيات في 6 آذار 2012

  back to Pere Nassim Doc.