سر المدّ الجماهيري الذي استقبل سعد رفيق الحريري في عكار
الأمل بانتشالهم من الحرمان.. ام تعاطف مع مظلومية الوالد.. ام الاعتزاز بتماثل الانتماء ؟!

 

 

الديار 09 حزيران 2005

سؤال مطروح عند المواطن العادي: لو كان الحريري الأب يقود المعركة.. هل كان يعتمد التحالفات ذاتها؟!
العماد عون وسعد الحريري لم يتماثلا بأي شيء الا بالفاصل الزجاجي الذي لا يخرقه الرصاص! !
«شعبية» تيار المستقبل في عكار هل «تجبّ» تعاطف العكاريين القديم مع «الجنرال» ؟

 

الولايات المتحدة ـ محمد باقر شري
هناك من يسأل: تُرى لو كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يدير معركة تيار المستقبل في هذه الانتخابات، هل كانت «تحالفاته» هي التحالفات ذاتها، التي اقامها ولده سعد؟

 

الجواب بالتأكيد: لا

 

فلكي تكون للرئيس الحريري «لوائح» بهذا الاتساع والعدد وفي عدة مناطق من لبنان، فكان عليه ان يوجد رفيق حريري آخر شهيداً يستطيع بدمه الى جانب كفاءته وامكاناته ان يعطي ماكينته الانتخابية في كل هذه المناطق قوة الدفع التي تجلت على يد نجله الشيخ سعد، كان المثل العربي القديم يقول تدليلاً على انتشار قبيلة بني سعد في اكثر من مكان: «في كل واد بنو سعد». ولا ينقص هذه الحكمة لكي تنطبق على سعد رفيق الحريري، الا ان «قبيلة» او عائلة الحريري هو ابنها وليس «ابوها» وان كان قد اصبح عميدها..

 

ويبدو ان الجماهير التي تبحث عن قيادة او زعامة والمتعطشة للاحتشاد وراء رجل حتى لو جاء من عالم الغيب، قد وجدت في الشاب سعد الذي يطل عليها لأول مرة. ضالتها، فكان احتشادها «العكاري» على وجه الخصوص، قد جعل الامر يلتبس على المشاهد لأول وهلة ولدرجة انه يشعر بأن «عصر الجماهير» في الستينات قد عاد من جديد من ساحة المنشية في الاسكندرية او «ساحة التحرير» في القاهرة وهو قياس مع الفارق بالنسبة للشخص الذي يطل عليها والذي راحت تهتف له، مع نوع من «الخلطة» او الفسيفساء في الرايات والاعلام، التي اجتمع فيها ما لم يكن ليجتمع، لو ان الشهيد رفيق الحريري لم يمت.. ولدرجة يمكن القول فيها: بأن رفيق الحريري قد قاد معركته بدمه كما كتبنا بعد انتخابات بيروت..

 

ومن المفارقات ان «اهل عكار» ربما كانوا يفضلون ان يكون للعماد عون من يمثله في اللائحة «العرمرمية»، لأن بينه وبين «العكاريين» ودّ قديم، عندما كان قائدا للجيش، حيث كان يتعمد اختيار حرسه الخاص منهم، لأنه يعتبرهم «مخلصين وأمناء». ولا ندري ما اذا كانت تحية سعد الحريري لرتباء وافراد الجيش من العكاريين، هي التفاتة تهدف لجعل ولائهم «للائحة المستقبل» يطغى على انطباعاتهم الايجابية القديمة مع العماد عون ام انها «رمية من غير رامٍ».. او انها لمجرد معرفة سعد لعلاقة العكاريين بالجيش كمؤسسة بشكل عام، وانه بذلك يصيب عصفورين بحجر واحد، فتكون التفاتته للعكاريين في الجيش، وكأنها التفاتة ودية نحو الجيش كمؤسسة. واذا كان هنالك من يحذر من اقامة علاقات سياسية مباشرة مع الجيش على نفس مستوى التحذير من تدخل الجيش في السياسة، فان مجرد ارسال التحية للجنود والضباط العكاريين، لا يمكن - من ناحية قانونية على الاقل - ان تصنف بأنها محاولة لادخال الجيش في السياسة او ادخال السياسة الى الجيش.

 

ولكي نفهم ظاهرة الحماس الزائد من العكاريين لسياسي شاب صاعد ولو استنادا الى رصيد والده، يجب ان نكون عارفين بحقائق عكار «الميدانية»..: فالحرمان في عكار هو «السلاح» ذو الحدين الذي كان يستخدم انتخابياً في الماضي، فالمحروم اما ان يطبق قاعدة: (جوّع «غزالك» يتبعك) او يأخذ بما قاله ابو ذر الغفاري: اول داعية لثورة الجياع في الاسلام: «عجبت لمن يبيت ليله طاويا (جائعا) كيف لا يخرج على الناس رافعاً سيفه» او بندقيته! واهل عكار رغم حرمانهم القديم سلكوا سلوكا «حضاريا» فاعتصموا بالصبر عملاً بمقولة: «ليس بعد الضيق الا الفرَج» ويبدو انهم متفائلون بأن الله قد «فرجها» عليهم بتيار المستقبل ومجيء سعد او «السعد» اليهم!

 

ولقد اعتذر الشيخ سعد عن عدم مجيء والده اليهم في السابق بصورة غير مباشرة، بأن هنالك من كان يحول بينه وبين زيارتهم.. واذا كان هنالك شيء من ذلك، فان السبب الرئيسي لامتناع الرئيس الحريري في السابق عن زيارتهم هو ليس ان «العين بصيرة واليد قصيرة» من ناحية مالية على الصعيد الشخصي، بل لأن المشاريع التي تحتاج اليها عكار هي اضخم من ان ترصد لها مبالغ عادية.. واذا كان قد خصص لها ولمنطقة بعلبك - الهرمل في السابق، ومن جانب احدى الحكومات التي ترأسها الحريري مبلغ لا بأس به، فان احداً لم يعرف حتى الآن كيف انفق وعلى اي اوجه وظف او صرف.. والى ان يصبح الشيخ سعد الذي وعد العكاريين بانتشالهم من الحرمان «مبسوط اليد» فان عليهم الانتظار.. وعبارة «مبسوط اليد» لا تعني في هذا المجال انه كريم العطاء على الصعيد الشخصي.. بل ان تعبير «الحاكم مبسوط اليد» في الفقه الاسلامي تعني الحاكم القادر والمتمتع بالصلاحيات وقوة السلطة والذي يستطيع ان يقرر ويأمر بتنفيذ ما يراه مناسباً للصالح العام. ولقد كان مثيرا لفضول الناس، ان يسألوا وهم يشاهدون بأنفسهم رؤساء اللوائح وخاصة العماد ميشال عون وسعد الحريري، رغم افتراقهما في كل شيء تقريباً فانهما متماثلان بمخاطبة الجمهور واعلان اللوائح من وراء سواتر زجاجية لا يخترقها الرصاص وهي احتياطات منطقية عند السياسيين حتى في الحالات العادية، ناهيك عن الظروف الاستثنائية الساخنة التي مررنا ونمر بها. وان كان لهذه الاحتياطات اللافتة للانظار بعض السلبيات حتى من ناحية امنية رغم انها ضرورية. فهي من جهة تساعد على تحديد المكان الذي يقف فيه السياسي المستهدف بالسوء، ثم انها تعطي الايحاء للجمهور نفسه، بأن امنها هي بالذات قد تطاله ايدي اهل السوء، بل ان الوقاية الامنية يجب ان تكون مكفولة حتى من جانب سلطات الامن الرسمية.

 

وصحيح انه «لا يغني حذر من قدر» و«ان الرجل الحذِر يؤتى من مكمنه» وان «الامور ذلت للمقادير حتى انه قد يكون الحتف من التدبير!»، فلقد اعتصم رجل الدولة الشهيد الراحل نفسه بأدق وسائل الوقاية، لكن قوى الشر المتربطة به وبالبلد، كان لديها من وسائل الاذى المعقدة والمتفوقة ما لم يكن يتوقعه انسان او يخطر ببال احد.. وكم من مواكب في بلدان عديدة اكثر احتياطات امنية لرجالاتها ومسؤوليها، قد تم تجاوز احتياطاتها والتغلب على هذه الاحتياطات ووصلت يد الارهاب الى الرجل المستهدف. واذا الفجيعة كانت الفجيعة بوالده والتي لا تزال ماثلة امام ناظريه قد حملته ان يتكلم من وراء حاجز لا يخترقه الرصاص، فان العماد ميشال عون لا يزال ماثلا امام عينيه ذلك الشاب الذي اراد ان يطلق عليه الرصاص، بل اطلق الرصاص عليه واخطأه عندما كان يلقي خطبه التي يستهلها بندائه المشهور: «يا شعب لبنان العظيم»..!

 

ولكن امثال «الجنرال» من الذين لا يطيقون الاحتياطات المشددة، التي تظهرهم بمظهر الخائفين، والذين يتمتعون رغم انضباطيتهم العسكرية الصادقة بعقوية يريدون ان يفتربوا بها من الجماهير، فانهم لا يطيقون مثل هذه القيود.. ونحن نقول ذلك من باب وصف الرجل على حقيقة طباعه كما نستشفها من اقواله وتصرفاته وتحركاته، ولسنا من سوء النية - لا سمح الله - بحيث نشجعه على ان يطرح هذه القيود عن نفسه بحيث يعرّض نفسه لاخطار او «يلقى بيديه الى التهلكة».. فنحن نرى انه بعد ان «شفي» من تشنجات المنفى واجواء «المظلومية» التي كانت تدفعه احيانا لان يقول او يفعل ما ليس مقتنعا هو نفسه به، قد اضاف الان الى الحياة السياسية اللبنانية «نكهة» او «جرعة» كانت تحتاج منها الى نكهات و«جرعات»!

 

يكفي ان العديد من الذين كانوا ينشدون التحالف معه، عادوا وألّفوا حلفا فيما بينهم لتحجيمه.. ومع ذلك فانه لا يشعر بالعزلة.. بل يرى انه اصبح «اصلب عوداً واورى وقودا»، وهو يعتقد - وله الحق في ان يعتقد ما يشاء - ان «افرنقعوا» السياسيين المحترفين من حوله، سببه الأول الخشية من طموحاته المستقبلية، ان «تجبّ» اي تلغي او تحدّ، من طموحاتهم!